أن يكون الجميع على سفينة واحدة فهذا يستلزم أن سلامة السفينة سيكون ضرورة لا غنى عنها، وإذا علم أن الظلم والمخالفة للنظام العام خرق للسفينة فهذا يزيد هذه الضرورة ويرفع من منسوب الاهتمام بها.
وهذا يقود إلى حقيقة لا غبار عليها وهي أن المحافظة على سلامة السفينة والحرص على نظافتها، والاجتهاد في تحسين صور ومناحي العيش عليها والتنبه المبكر لكل سبب مباشر أو غير مباشر سيكون سببا في الإضرار بالسفينة أو من عليها، كل ذلك سيكون ضرورة حتمية لا غنى عنها.
قد يتوهم البعض أن النضال مؤشر للتحضر وعلامة على التقدم، ولكننا نعتبر النضال وتأسيسا على ما سبق ضرورة لكل من يريد أن يحيا أو يعيش متخلفا أو متحضرا.
النضال من أجل لقمة العيش، النضال من أجل نيل الحقوق، النضال من أجل تحسين الخدمات أو توفيرها.. كل هذا بصوره وأشكاله مؤشر للحياة، فالنضال يعني الحياة، والرضى بالدون والظلم يعني الموت، وكمفهوم ديني تحرك به مشاعر عامة المسلمين يحضرني في هذا المقام قول الحبيب عليه الصلاة والسلام في معرض الحديث عن مراتب الإنكار للمنكر والتغيير للوضع السيء: «وليس وراء ذلك مثال حبة من خردل من إيمان» وفي هذا إشارة مادية محسوسة إلى اختفاء الإيمان.
إن الحياة دون مثقال حبة خردل من إيمان تساوي الموت بل هي أسوأ منه.
وإن افتقاد المرء لمشاعر الغضب الوجداني الداخلي عند رؤيته لمظلمة أو فساد أو تحلل اجتماعي أو أخلاقي يدل دلالة واضحة على سيطرة الأنا، وغياب أبسط صور الإنسانية وهذا الخطر هو الذي حذر منه المصطفى في هذا السياق.
إننا لا نعتبر النضال ترفا فهو من وجهة نظر المتدينين والعقلاء والأحياء عنصر مؤثر يزيد الحياة الجميلة جمالا، ويضيق دائرة الشر التي لا يمكن أن تختفي إلى الأبد في أي مجتمع من المجتمعات.
قد نختلف في استخدام الحق فهو كمصطلح سلاح ذو حدين «وكل يدعي وصلا بليلى» ولكن الأخطر من ذلك هو احتكار هذا الحق أو إلغاؤه وشطبه من قائمة السلوك الإنساني.
وحتى العصاة بالمفهوم الإسلامي الخالص لهم وفي إطار العرف والشرع والمنطق استخدام هذا الحق «النضال» لمواجهة ما يمكن اعتباره أخطر وأفضع مما وقعوا فيه من المعاصي والموبقات.
وقد يتوهم البعض أن المجتمعات التي تبنت مفهوم النضال تحت أطر الديمقراطية الغربية أنها تحللت من الأطر البشرية العامة، قد تظهر نتوءات هنا أو هناك ولكن لا يزال البشر بشرا، ولا يزالون يتحركون في الإطار البشري لا يقدرون على تجاوزه، أحيانا تردهم الفطرة، وأحيانا يردهم القانون والشرع وأحيانا يردهم الناصحون وأحيانا يردهم العجز وقلة الإمكانيات، فهم في الأخير بشر لا يجاوزون حدهم.
وخير لهم أن يوفروا الوقت ويستفيدوا من تجارب من سبقهم أمما وأفرادا ليصلوا إلى نتيجة أنهم بشر ينسون ويعجزون، وهذه حقيقة أخرى تقودنا إلى ملمح آخر من ملامح ضرورة النضال واستبعاد كونه ترفا، فالبشر ينسون والنضال يذكرهم بما قد ينسونه من حقوق الآخرين أو يتجاوزونه من حرياتهم.
البشر يخطئون بقصد أو بغير قصد وهذا خلق لا ينفكون عنه وما النضال السلمي إلا عملية إصلاح وتسوية للأوضاع المختلة بعد هذا الخطأ أو بسببه.
البشر يسيئون استخدام الموارد المتاحة، بإسراف أو تبذير، وببخل أو تقصير، والنضال يرد الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أصحابها.
هذه حقيقة لا فكاك لهم عنها فحاجتهم إذاً للنضال لا تنفك عنهم حتى يكونوا في الحياة الآخرة.