لايختلف اثنان على ان ظهور المشروعات العامة كانت في دول اوروبا بدايةً وكان سبب ظهورها في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية ضرورة اوجبتها مقتضيات علاج مشاكل الحروب من كساد وبطالة وأمراض اقتصادية واجتماعية عجزت المشروعات الخاصة عن مواجهتها فكان لابد من تدخل الدولة بشكل واسع لأعادة توزيع الثروات والدخول، وحشد اكبر الموارد والطاقات لعلاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في تلك الفترة فقامت عمليات تأميم المشروعات الخاصة لاعادة بناء الاقتصاد الوطني ولضمان استقرار المجتمع حسب تصورها مما انسحب على الدول النامية التي ازدادت اهمية مشروعاتها الخاصة نتيجة صحوتها من التخلف والجهل وسوء استغلال الموارد بسبب الاستعمار والاطماع الخارجية حيث اعتبرت هذه المشروعات اداة حاسمة لتعبئة الموارد وتوجيه عناصر الانتاج لتحقيق ماتنشده من تنمية اقتصادية واجتماعية، لذلك اصبح المشروع العام هو السائد في تلك الدول.
وفي العراق بدأت صحوة الاعتماد على المشروعات العامة نهاية التسعينيات بعد ان انهك الاقتصاد بفعل الحروب والحصار الاقتصادي الشامل فكان لابد من تخفيف العبء عن كاهل الدولة ومؤسساتها بأعتماد تلك المؤسسات على مواردها الخاصة مما احدث تطويرا جزئيا فيها.
تعريف الادارة العامة:
هي تنفيذ السياسة العامة للدولة واخراجها الى حيز الواقع، وهي بذلك تمثل مجموع النشاط والعمل الحكومي الموجه نحو ادارة الخدمات العامة والانتاج الحكومي وتنفيذ مختلف القوانين.
وهناك تعريف اخر يرى انها مجموعة الاساليب والنظم المرتبطة بالانشطة الادارية التي تؤديها منظمات واجهزة الدولة بهدف تحقيق الصالح العام في المجتمع.
ويرى مارشال ادوارد وميرك دجلاوس ديموك ان اساليب الادارة العامة، مظهر لحقل واسع هو الادارة لكنها تتميز عن غيرها بأنها تتعلق بأهداف الدولة، وارادة السيادة والمصالح العامة والقانون باعتباره العنصر الاساسي في المجتمع، فهي تتعلق بالمجتمع ككل.
خصائص المؤسسات العامة:
تنحصر اهم خصائص المؤسسات العامة بأنها تنشأ بقانون يحدد سلطاتها وواجباتها وآليات عملها بما يجعلها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة وتمول من خزانة الدولة وايراداتها ولها ميزانيتها الخاصة بها مع وجود رقابة الدولة على هذه الميزانية كما انها تتمتع بصلاحية الاختيار والتعيين والترقية للعاملين فيها واعفاء اموال المؤسسة العامة من القيود والضرائب وقد يتمتع بعضها بامتيازات السلطة العامة مثل تحصيل الرسوم المالية او سلطة نزع الملكية العقارية للمنفعة العامة ولتحقيق اهدافها.
لذا يتبين لنا وبشكل مختصر ان ظهور الاجهزة العامة يعني ظهور فلسفة جديدة متمثلة في سعي الدولة للعمل على تنويع مصادر دخلها وكذا قيامها بزيادة وتطوير وتحديث خدماتها.
دون الاعتماد على التمويل الحكومي وانما اعتمادا على مصادر اخرى غير تقليدية.
اوجه القصور في المؤسسات العامة:
مما يتضح انفا ان فكرة المؤسسات العامة او الشركات العامة في حد ذاتها فكرة صحيحة في اطار مشروع متكامل نموذجي وفق المميزات والحسنات التي يحتويها هذا اضافة الى وجود نية للخروج من الواقع الاقتصادي المتردي والازمات المالية التي تمر بها الدول وكان من الممكن نجاح هذه التجربة وجعلها اساسا للوصول الى المرحلة اللاحقة وهي العبور الى نظام”التحول الى القطاع الخاص “ او”الخصخصة “ لو اتيح لها الوقوف على اعمدة ثابتة وقوية اقتصاديا وماليا من دون الولوج الى المساوئ التي حصلت وتحصل الان فيها وفي اجهزة الدولة بشكل عام والتي اهمها ان المؤسسات العامة العراقية كانت وماتزال لاتتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة الا على الورق مع وجود تدخل واضح للدولة في جميع مفاصلها وكذلك وجود ترابط قوي مع اجهزة الدولة وتدخلها في القرار اضافة الى ذلك انعدام القدرة على تسييس الاموال بالشكل المطلوب والخاضع لعوامل التطور والرفاهية لموظفي هذه المؤسسات وحالات الغبن في توزيع وارداتها على اجهزة الدولة غير ذات العلاقة مما جعل خط سير العمل الذي انشئت من اجله سلبيا فبدلا من التمويل الذاتي والاستقلالية تحملت تبعات واعباء هي في غنى عنها، كما ان وجود اشخاص غير كفوئين في مفاصل ادارة هذه المؤسسات وحسب اولويات سياسية او حزبوية او تبعية انحدر في مستوى كفاءة الجهاز الاداري والتنظيمي لها مع وجود صلاحيات للادارة العليا فوق مستوى المساءلة القانونية والتخصصية عن جدوى هذه القرارات وعدم وجود جهة عليا او حتى رقابية صارمة للمتابعة والتحليل، واخيرا، فان قصور النظام الرقابي الداخلي والخارجي مع عدم وجود صلاحيات حقيقية لايقاف اية تجاوزات سبب تغلغل العناصر الطفيلية والانتفاعية الى هذه المؤسسات واداراتها.
التحول الى القطاع الخاص:
ان مايقصد بالتحول الى القطاع الخاص هو تحويل الممتلكات والاصول الحكومية الى القطاع الخاص او بمعنى اخر تحويل بعض المهمات والخدمات لتمارس عن طريق القطاع الخاص، يمثل ظاهرة ظلت تتزايد بمعدلات سريعة في مختلف بلدان العالم كما ان التفكير الذي انبثق عنه اصطلاح التحول الى القطاع الخاص لم يتوقف عند تحسين اداء اجهزة المشروعات العامة بل تعدى ذلك الى المطالبة بعودتها لتدار وفقا لاساليب ادارة الاعمال ولتمارس من خلال القطاع الخاص الذي يعزز الحريات الاقتصادية ويعمل على رفع كفاءة الاداء والتخفيف من الاعباء التي تتحملها الخزينة العامة للدولة. كما ان ظهور اصطلاح التحول والاعادة الى القطاع الخاص وتزايد معدلات الاخذ به، سواء في الدول المتقدمة او النامية وعلى اختلاف اتجاهاتها السياسية ومذاهبها الاقتصادية، يعتبر مؤشرا على فقدان الثقة في اجهزة المشروعات العامة في ظل اشراف الادارة العامة، والتي لم تحقق الاهداف المتوقعة من انشائها ومالحق بالعديد منها من تدهور وصل بها الى حد الافلاس والاحجام عن ممارسة النشاط الذي قامت من اجله الامر الذي ادى الى ان يرفع اصطلاح التحول الى القطاع الخاص كرمز للكفاية وزيادة الانتاج وخلاصا للخزينة العامة من اعباء الدعم المستمر للمشروعات العامة بل وكأجراء وقائي لمنع بعض اجهزة المشروعات العامة الناجمة من التدهور بتخليصها من جمود وبيروقراطية الادارة العامة.
كما يلاحظ من اتجاه العديد من دول العالم الى انتهاج اسلوب التحول الى القطاع الخاص لأداء بعض الخدمات التي كانت تقوم بها الاجهزة العامة، ظاهرة جديرة بالتحليل والدراسة للتعرف على نتائج تجاربها في هذا المجال، ومن ثم استخلاص النتائج التي تؤكد ان الخدمات التي تقدمها الحكومة عن طريق ماتنشئه من اجهزة ومؤسسات عامة يمكن للقطاع الخاص الاضطلاع بأدائها وادارتها بأساليب ناجحة.
واذا كان اتجاه التحول الى القطاع الخاص قد بدأ بالمملكة المتحدة (بريطانيا) الا انه سرعان ما انتشر في العديد من دول العالم على اختلاف درجات تقدمها الاقتصادي وباختلاف مذاهبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليشمل العديد من الانشطة حيث وجدت فيه تلك الدول ضالتها المنشودة لرفع كفاية الاداء للخدمات وتعزيز الحرية الاقتصادية وتخفيف العبء عن ميزانية الدول الناتج عن تحملها اعباء دعم تقديم تلك الخدمات. لذا يتبين لنا ان التحول الى القطاع الخاص في الدول المتقدمة له اهدافه واهمها تجسيد نهج موضوعي اساسي لاغنى عنه للتطور الاقتصادي والاجتماعي وللتحسين واعتماد نقطة بداية لاعادة الترتيب والتنمية من الداخل لبلوغ تحقيق الاهداف وافساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في ملكية المشروعات وادارتها وتشغيلها وصيانتها لغرض زيادة الانتاجية وتحقيق التطور السريع لتلك المشروعات.ان اتخاذ مثل هذا القرار الستراتيجي يتطلب دراسة متأنية عديدة وتحديد مدى مناسبتها لخصائص وواقع ظروف المجتمع، فالدول النامية احوج ماتكون لاقرار مايناسب احتياجاتها، ويتمشى مع ظروفها وواقعها، واستخدام الاساليب الادارية الملائمة لحل المشاكل في مجتمعاتها، وتخفيف المعاناة عن مواطنيها واملاً في ان تحقق لشعوبها مستوى المعيشة، المناسبة، والرفاهية التي حرموا منها ابان سنوات التخلف التي عاشتها طويلا.ان فكرة التزام الدولة بالشركات العامة (كصاحبة مشروعات) كان لاعتبارين اولهما: عدم استطاعة القطاع الخاص الدخول في مشروعات ضخمة كما هو حال العراق.
الثاني: الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة بأتباع سياسة التأميم والادارة للاجهزة العامة كتنفيذ لافكار ومعتقدات اقتصادية او حزبوية رغم محاولاتها في السنوات الاخيرة للخروج من قمقم الركود الاقتصادي وهبوط الحالة المعيشية الحاد مع ضآلة دخل الفرد بشكل مخيف بالنسبة الى الغلاء وزيادة الاسعار هذا بالاضافة الى نهاية سعر صرف الدينار العراقي الدراماتيكية.
الثالث: ان اسلوب الشركات العامة حقق بعض النجاح في استغلال الثروات الطبيعية واعادة توزيع الموارد او اعادة اصلاح مادمرته الحرب وماخلفته الازمات من كساد ووضع قواعد البنية الاساسية اللازمة لأستمرار عمليات التنمية في الدول النامية.
الرابع: تحرر منشآت الاعمال الخاصة من سيطرة الجهاز الاداري للدولة وابتعادها عن النمط البيروقراطي للادارة وقدرتها على الحركة السريعة والتفاعل والتطور والتحديث وتحسين مستوى الاداء لرفع المستوى المعيشي كذلك قدرتها على تعبئة الموارد المادية والبشرية اللازمة لتحقيق اهدافها وفق مفهوم ان من يتطور يتجه حتما نحو الاحسن.
مما سبق يتضح لنا ان هناك مراحل وقواعد واسس يجب المرور بها وترسيخها كشرط صحيح وتهيئة واضحة للتحول الى القطاع الخاص اضيف لها امر مهم هو وجود نقابات عمال وموظفين قوية ومؤثرة ووجود ضمان اجتماعي ووظيفي حقيقي يضمن للموظف او العامل حقوقه من سيطرة القطاع الخاص والامان للعمل فيه ما يوفر ارضية ناجحة للعمل لايمكن من دونها الاستغناء عن اي موظف الاوفق شروط واضحة واذا حصل ان افلست
او انتهت اية مؤسسة خاصة فهناك من يضمن للعامل حقوقه في الاجر
وفي التوظيف في مكان اخر
بأسرع وقت.